لا زلت اتساءل لم في كل مرة حين تمطر يسكن كل شيء
لا شيء يطغى على صوت المطر ، يصم أذنيك عن كل شي غير صوته.
يخمد باقي الاصوات بعنفه .. برقته.. بهدوءه.. بصخبه حين يتساقط بعشوائية وبعنف أنثى مزاجية.
يتساقط فاضحا عمره الاثري .. يتساقط ويخرس الجميع بخبراته، بقدر ما تساقط على بنيان أمم سابقة .. بكل ما يحتفظ به في ذاكرة غيمه ..
هو ذلك الغسيل الذي تغتسل به قلوب الآف من الناس التي تمشي في الشوراع وعلى الارصفة..
غاسلا كربة شجرة..
عش عصفور
عشبا ضجر
ونضج مبكر لأشخاص نسوا الطفل الذي بداخلهم..
هو ذاك الذي حين يتساقط على الارض المعتقة بالتراب
يحولها إلى طين. إلى أصل الانسان، فطرته وبدائيته ..
المطر ، ذلك العتيق ، الذي يتسلل إلى غرفتي ويبقيني لساعات وأنا أحاول منع تسربه إليها .. الذي يبلل نارجيلتي وأصص نباتاتي..
ذلك الطهر السماوي غاسل القلوب.. غاسل الخطايا البسيطة.. تلك اليد الرادعة التي تجعل البعض يجري مختبئا .. ويجعل البعض الآخر يقف تحته بكل نشوة وهو ينتظر ذلك الطهر ..
ذلك المخرب .. مخرب التكنولوجيا.. مخرب التراكمات الحديثة .. ذلك البدائي ذو الفطرة الخيرة صنع الله ..
في الحروب عندما تمطر يتوقف كل شيء. يتوقف الجميع لذلك الهمس القائل : كفى.. كفى بكل زخة من زخاته.
تلك اللحظة التي يرخي بها كل من الطرفين سلاحه دون وعي.. لحظة صمت صاخبة .. تهمس لدقيقة واحدة بشروره ..
قد يغسل المطر الدم .. لكنه يحمل الأكتاف وزره في كل قطرة يتساقط فيها ..
قد يبلل المطر كسرات الخبز .. لكنه يحمل كتف مانعه وزر الجوع .. وزر تشويه روح الانسان ..
يحمله وزر اطفال من حلوى ..
وزر نساء من قصب سكر..
ووزر رجال من أعواد قرفة ..
قد يكون المطر في الشتاء باردا قاسيا على المساكين المحاصرين بلا تدفئة وبلا ثياب ..
لكنه يحمل أكتاف كل من قطع سبيل الحطب
ورمى الثياب وزر بردهم وصقيعهم .. يحمل أكتافهم اوزارا فيغرقون أكثر فأكثر فيها كلما أمطرت .. إلى أن يحين يوم الميزان العادل ..
فلتمطر لسنة كاملة دون توقف ..
فلتمطر لسنة كاملة بصيفها وشتائها بخريفها وربيعها
فلتمطر فلكل فصل نكهة مطر تختلف عن الآخر..
لكل الجوعى ..
فلتمطر خبزا ..
وحي على كرسي هزاز
كتبت في 16/12/2015
غادة رستم
وحي على كرسي هزاز