إلى جدي العزيز :
إشتقت إليك .. إشتقت لحنانك ولفخرك بي .. لا زلت أذكر كل تلك التفاصيل في شراييني وعيناي تعانقهما الدموع ..
ودعتك بوداع لم يليق بهذا السفر وهذا البعد الطويل .. ودعتك دون قبلة عندما أنا سافرت على عجلة .. لم يتسنى لي أن أودعك .. ولم أكن لأعلم بأنني لن أراك مرة أخرى .. بأنني لن أحصل على ذاك الالف ليرة من جيبك الدافئ كي أشتري ما أريد .. رغم عمري الكبير الا انك كنت ما زلت تعاملني كطفلة وكحفيدة لا زالت مشاكسة كأيامها في الصغر ..
بأنني لن أذهب معك لشراء الخضار والدواء..
بأنني لن أقول جدي مرة أخرى ..
لا زلت أذكر تلك الصباحات عندما كنت أنام في بيتك بعيدا عن منزلي لتغيير الروتين الممل وللتفريغ عن روحي الحبيسة التي لم تكن تعرف ما تريد في هذه الحياة .!
تلك المليئة بفناجين القهوة والتمر التي اعتدنا أن نشربها سوية مع جدتي وخالتي.
كم كنت تحب التمر المحشو بالجوز مثلي !
استيقاظي كعادتي في وقت متأخر كعادة شموسي العالية وحنانك الأبوي علي عند الطعام وعتبك المستمر لي كي ازوركم دائما.
إشتقت أن أجلب لك نظارتك عندما تطلبها مني.
إشتقت لتلك الذكريات التي كنت تقصها عليي عن طفولتي المشاكسة وعن مواقفي المضحكة ..
إشتقت لفخرك بي دوما .
في يوم سفري ،من بعد خطبتي وزواجي الذي كتبه الله لي على عجل، لا زلت أذكر جملتك بأنك لم تنم سعيدا ومرتاحا الا في تلك الليلة لأنك الآن اطمئننت علي.
ودعتني دون قبلة ومضيت .. ودعتني بهذه الجملة التي لن أنساها ما حييت ..
قبل ذهابي للمطار بساعتين اتصلت بي كي تخبرني بأنك لم تقبلني ولم تودعني لعجلة تلك الأمور وودعتني هاتفيا بصوتك الدافئ .. أغلقت السماعة ودمعت عيناي .. كيف سمحت لنفسي في خضم كل الأمور المستعجلة أن تذهب دون أن  تلقي على خدي قبلة وبعض الوصايا المعبقة بطعم الجد؟
لم أكن أدري بأن تلك ستكون آخر مرة سأراك فيها في هذا العالم المتواطئ.
وآخر مرة سأسمع فيها صوتك .
عندما تلقيت خبر وفاتك كنت في إحدى نقاط التهريب لليونان في تركيا مع زوجي، آلمني الخبر .. بكيت ، لا أدري لماذا بكيت كثيرا حينها .. لكنني لم استرسل في البكاء جيدا .. ربما صدمتي كانت أكبر .. ربما لأني لم اتوقع هكذا خبر ،رغم معرفتي بأنك في المشفى منذ انا سافرت الا أنه بلغني بأنك في تحسن مستمر.
بلغني بأنك كنت تسأل عني وعن أخباري وأنت في العناية المركزة كي تطمئن لوصولي بخير إلى اليونان في رحلة الموت هذه ..
إلى الان لا زلت أبكي كلما لاحت ذكرياتي عنك أمامي.
أحيانا أنسى بأنك قد ذهبت بعيدا
وأعود لاتذكر من جديد ..
أمي الحنونة اشتاقت إليك أيضا .
لم يكسرني كسرا ولم يحرق قلبي سوى تلك الجملة التي قالتها لي تلك المرة :
“لم يعد لدي حيل لقد كبرت يا أبنتي ”
لست أدري لم تمزق قلبي ولم تذكرتك ، ربما شعرت بأن أمي كبرت عندما أنت توفيت ..
هل يكبر الاشخاص عندما يفقدون أهاليهم؟
كم هو قاس الغياب .. فقدان الكتف التي كنت تستند عليها. حتى لو كانت كتفا هرمه وضعيفة الا انها معتقة بذكريات تخصك ..
معتقة بحضن وقبلات وبعتاب
رغم ضعفها الا انها أقوى الأكتاف.
فقدان تلك اليد الحانية التي تقوم بوضع البطانية عليك عندما تكون نائما بإهمال طفولي ..
جدي إشتقت لوجودك في الحياة.
أحبك وسأهديك لوحة قريبا ..
أبق فخورا بي كعادتك ..
وأبق مرتاحا وسعيدا ..
الرحمة لروحك الطاهرة ..

حفيدتك الأولى المخلصة ..

image